عالم الجينات اللبناني بيار زلوعة.. والفينيقيون
لطالما شكلت فكرة الانتماء إلى الفينيقيين نظرية تشبثت فيها أطراف سياسية خلال الحرب الأهلية للدلالة على الفروقات الحضارية التي تفصلها عن المحيط العربي وعن جماعات طائفية أخرى في لبنان. وأصبح القول بالفينيقية نسفا للعروبة والعكس صحيح. غير أن دراسات وراثية قام بها باحثون لبنانيون وأميركيون من ضمن مشروع «جينوغرافيك» بينت وجود عامل وراثي مشترك يربط بين عدد كبير من اللبنانيين لا سيما من سكان المدن الساحلية كجبيل وصيدا وصور، ومن طوائف مختلفة، مع الفينيقيين الذين سكنوا هذه المدن. ومشروع جينوغرافيك هو مشروع دراسة وراثية يحاول وضع خريطة للشعوب من خلال تحليل عوامل وراثية تميز بعضهم عن بعض وربطها بالشعوب القديمة .
هذا الكشف الذي بدأ العمل عليه في العام 2004 من قبل مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» جاء كمرحلة أولى من نتائج البرنامج الذي تدعمه المجلة بالتعاون مع مراكز أكاديمية مختلفة حول العالم قام به الباحث اللبناني «بيار زلوعة » المتخصص في علم الوراثة في الجامعة الأميركية في بيروت وعضو برنامج علم وراثة الشعوب في جامعة هارفرد بالتعاون مع زميله الأميركي سبنسر ويلز. غير أن الدراسة لم تنحصر في تحديد مدى العلاقة بين سكان المناطق الساحلية اللبنانية والفينيقيين بل ذهبت نحو محاولة إثبات المعلومات التاريخية من خلال العلم الحديث أي علم الوراثة. ومن هذه المعطيات التاريخية انطلق زلوعة وزملاؤه للبحث عن صلة القرابة بين بعض شعوب البحر المتوسط، وبين الفينيقيين، في المناطق التي أنشأوا فيها مستوطنات لهم مثل سردينيا ومالطة تونس (قرطاجة) واسبانيا .
وبعد حوالى الخمس سنوات من العمل يبدو أن زلوعة وجد العامل المشترك الذي يوحد اللبنانيين بحسب ما نقلت عنه وكالة «رويترز» أمس. فالعلامة الوراثية التي تحدد سلالات الشعوب المشرقية وجدت بين لبنانيين من كافة الطوائف بحسب زلوعة «وهذه قصة يمكنها أن توحد لبنان أكثر من أي شيء آخر » ، كما يقول. وهذه العلامة الوراثية المعروفة باسم « J «2 Haplogroupوجدت متشابهة وبنسب عالية جدا بين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين الذين أخضعهم زلوعة للاختبار من خلال تحليل أحماضهم النووية «دي أن أي»، وقد بلغ عددهم ألف شخص. وأمكن قياس هذه العلامة من خلال عمليات حسابية تستند الى درجة حصول تغييرات أو طفرات في الحمض النووي للصبغية التي تنتقل من الأب إلى ابنه عبر الأجيال. وكلما كانت هذه الطفرات أقل كلما كان الحمض النووي يعود إلى عهود قديمة. وقليلا ما تشهد هذه الأجزاء من الحمض النووي تغييرات أو طفرات فيها في المجموعات العائلية أو الاثنية الواحدة لذا تعتبر علامة راسخة لا تتبدل عبر التاريخ ما يسهل دراستها ومقارنتها. يقول زلوعة لرويترز «إن حساباتنا تشير إلى أن علامة J 2 haplogroupالتي درسناها تعود إلى حوال 12 ألف سنة مع هامش زيادة أو نقصان يبلغ خمسة آلاف سنة، ما يعني أننا أمام علامة قديمة جدا نحن تقريبا واثقون من أنها نشأت في هذه المنطقة ».
لكن النتائج لم تتوقف عند هذا الحد. يقول زلوعة لرويترز «كلما اتجهنا نحو الشمال (شمال المنطقة المشرقية) أو الجنوب أو الداخل كلما ندرت رؤية هذه العلامة ما يعني أنها خاصة بشعوب المشرق العربي.» لكن العلامة نفسها وجدت بنسب عالية أيضا في مناطق أخرى من سواحل البحر المتوسط، حيث أنشأ الفنيقيون مستوطنات لهم مثل قرطاجة في تونس. يضيف زلوعة «هي موجودة بشكل كبير أيضا في شبه الجزيرة الإيبيرية (اسبانيا والبرتغال حاليا) كما في مالطا... نحن نرى بذلك مخطط التوسع خارج منطقة المشرق على طول الطرق البحرية التي سلكها الفينيقيون ».
وكان زلوعة قد بدأ العمل على دراسته العام 2004 وحصل على دعم من مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» لتنفيذها بتمويل بلغ مليون دولار أميركي بحسب موقع المجلة على الانترنت. وتهدف الدراسة بحسب المجلة «إلى تعقب التركيبة الوراثية للبنانيين ولشعوب حوض البحر المتوسط حيث أنشأ الفينيقيون مستعمرات وإظهار القرابة التي تربطهم. وتمتد الدراسة على ست سنوات وتأمل أن تبين أن الفينيقيين الكنعانيين ينحدرون من أصل وراثي واحد سكنوا الحوض الشرقي للمتوسط قبل خمسة آلاف عام .
ويشير موقع المجلة أيضا إلى أن النموذج الوراثي الأصلي الذي اعتمد عليه زلوعة كمرجع في دراسته يعود إلى بقايا بشرية اكتشفت في تابوت حجري فينيقي في تركيا وهو محفوظ في المتحف الوطني التركي، وإلى فك بشري عمره أربعة آلاف سنة اكتشفه في كهف في منطقة راس كيفا اللبنانية. وقد لجأ زلوعة إلى النموذج التركي بعد أن رفض المتحف الوطني اللبناني تزويده بعينات من الحمض النووي الذي يحفظها .
يقول زلوعة «كلما استخدمت كلمة فينيقي يقول البعض إنني أحاول أن أقول إننا لسنا عربا». غير أن هذه المنطقة شهدت تمازجا كبيرا نتيجة الغزوات المتعاقبة عليها. غير أن هذه الدراسة تثبت أن اللبنانيين، لا سيما سكان المدن الساحلية، وإن كانوا ما زالوا يحملون علامات وراثية تعود إلى الفينيقيين إلا أن هناك دلائل أيضا على وجود موجات وراثية ثلاث كبرى أخرى أثرت على مخزونهم الوراثي وهي الغزوات العربية والصليبية والتركية أو السلجوقية .
يقول جوزيف ثابت أحد الذين خضعوا للاختبار «الكثير من اللبنانيين الذين كانوا يظنون أنهم فينيقيون ليسوا كذلك. مثلي أنا.» فقد بين الاختبار الخاص بها انه يحمل علامات خاصة بالفرنسيين والاسبان. يضيف تابت «أود أن أرى عددا أكبر من اللبنانيين يخضعون لهذا الاختبار. أعتقد أنه قد يكون عنصر توحيد وليس قوة تفرقة ».
زينب غصن
السفير
DISCLAIMER:
Opinions expressed
in this site do not necessarily represent Phoenicia.org nor do they necessarily reflect those of the various authors, editors, and owner of this site. Consequently, parties mentioned or implied cannot be held liable or responsible for such opinions.