اللغة، الذاكرة والهوية في الشرق الاوسط: قضية لبنان

Phoenician Encyclopedia
 
Network Solutions Logo   Ban Wikipedia   en.wikipedia is is a non-peer-reviewed website
with agenda and is anti-Lebanese & anti-Semitic 

نص المقابلة مع الدكتور فرانك سلامة
بروفسور لغّات الشرق الادنى واللغّات السلافيّة
جامعة بوسطن



Translate
      Twitter Logo Join PhoeniciaOrg Twitter
for alerts on new articles
Facebook Logo Visit our Facebook Page
for additional, new studies

الجزء الاول

00:00

كما يشير العنوان، وكما قلت لك فعنوان الكتاب هو "اللغة، الذاكرة والهوية في الشرق الاوسط: قضية لبنان"، يتناول الكتاب عملية بناء الهوية الوطنية في الشرق الاوسط الحديث، وكيفية استعمال اللغة والذاكرة التاريخية، وحتى كيفية استعمال اللغة والذاكرة التاريخية من اجل بناء الهويات الوطنية.

00:50

الحافز الذي دفعني للتفكير بالكتابة عن هذا الموضوع بدأ عندما كنت اتابع دراسة الماجستير في جامعة برانديز . وكنت مهتم بدراسة موضوع الاقليات في المشرق، والاقليات في الشرق الأوسط وشرقي البحر الأبيض المتوسط. وخاصة كان اهتمامي ينصب على الادب الشعبي وتاريخ هذه الاقليات. وقد تزامن هذا مع حوادث الحادي عشر من ايلول وبالتالي تزايد الاهتمام باللغة العربية ومحاولة تفهمها في الغرب. وكجزء من عملي في تحضير الماجستير طُلب مني اذا كنت قادر ومستعد لتعليم اللغة العربية. وهكذا بدأت بتعليم اللغة العربية، في ذاك الوقت، بينما في الأساس كنت اتحضر اكاديمياً لأصبح مؤرخاً. وبالتحديد مؤرخ للتاريخ الثقافي والحضاري. وكان اهتمامي ينصب على التاريخ الثقافي وتاريخ تطور الافكار في الشرق الاوسط الحديث. وبالتالي بدأت بتعليم اللغة العربية في جامعة برانديز. أي تعليم ما نسميه اللغة ”العربيه الموحدة الحديثة/الفصحى” والتي هي لغة غير محكية. بل يمكن تسميتها باللغة الصوتية المقروءة، هي لغة يتكلمها الناس من نص مكتوب، وليست لغة يتكلمها الناس بطريقة عفوية، انها لغة للمتعلمين فقط، لغة يتعلمها الناس في المدارس، وبالتالي ليست لغة وطنية محلية لأي من الشعوب ولكن لغة ثانية يتعلمونها الى جانب اللغة المحلية. لهذا السبب اللغة العربية هي لغة فئة محدودة في الشرق الأوسط، أعني بذلك النخبة والطبقة المتعلمة والكتاب وما شابه. هذه هي اللغة التي نعلمها في الاكاديمية. وهذه هي اللغة التي نعلمها عندما يأتي التلامذة الينا ويطلبوا تعلم اللغة العربية.

03:04

خلال تعليمي للغة العربية بدأت التقي بتلامذة من الذين يمكن تسميتهم بالتلامذة ذوي "الإرث العربي" واللذين مبدئيا يتكلمون اللغة العربية ولكن يريدون تعلم القراءة والكتابة بلغتهم الأم. وكان خلال هذه اللقاءات أن بدأت بإدراك مشاكل هذه اللغة (خلال مناقاشاتي مع طلاب من اصول سورية واصول مصرية واصول عراقية ولكن مولودون في اميركا) هؤلاء عندما كنا نحاول اعداد البرنامج التعليمي لهم كان يقول لنا الواحد منهم ما معناه "لقد كبرت وانا اتكلم اللغة العربية، ولكني لا افهم البرامج التي تبث على قناة الجزيرة."

قناة الجزيرة في ذاك الوقت كانت القناة الاكثر شعبية بين القنوات التلفزيونية الفضائية العربية ... في هذا الوقت بدأت بطرح الاسئلة.

وكان التساؤل مثيراً أليس كذلك؟ "لقد كبرت وانا اتكلم اللغة العربية، ولكني لا افهم البرامج التي تبث على قناة الجزيرة..."، مع ان لغة قناة الجزيرة هي العربية: وهذا ليس لأني لا افهم العربية ولكن لأنني لا افهم العربية التي تبث على قناة الجزيرة. وهذا نوعاً ما سبب في تغيير مسار بحث الدكتوراه الذي كنت اقوم به وبدأت العمل على فكرة "القومية اللغوية". ومن عملي في تحضير الدكتوراه اتى فيما بعد الكتاب الماثل بين ايديكم : "اللغة، الذاكرة والهوية في الشرق الاوسط: قضية لبنان".

04:40

الكتاب جعلني ابدأ بطرح الاسئلة حول نفسي وجذوري اللبنانية . أنا من أصل لبناني؛ قدمت الى الولايات المتحدة في سن السابعة عشرة؛ نشأت في بيت متعدد اللغات حيث كنا نتكلم لغات عديدة؛ جدي من ناحية ابي كان لبناني مولود في كوبا (في طفولتي ما زلت اذكر جدي يلعب البيانو ويغني باللغة الاسبانية) ... لكن ايضاً ما زلت اتذكر قصص كان يرويها لنا عن حياته في كوبا، وقد عاش هناك حتى بلغ العشرين من العمر حيث قررالانتقال الى لبنان ليستقر فيه نهائياً. كان يخبرنا عن تلك الأيام بأن اللبنانيين في كوبا كان يطلق عليهم لقب "تركوس" أي اتراك باللغة الاسبانية وليس لقب عرب وهذا لأن الواقع أن الموجات الأولى من المهاجرين اللبنانيين الى العالم الجديد، الى الأميركيتين، أميركا الشمالية وكذلك أميركا الجنوبية وجزر الكاريبي، كانوا يتكلمون اللغة التركية، بصفتهم من رعايا السلطنة العثمانية ولهذا نعتوا بصفة "تركوس" أي اتراك.

في اميركا الشمالية اليوم الصفة الغالبة على اللبنانيين عند الإشارة اليهم اصبحت وصفهم "بالعرب" او عرب اميركيين، لكن المهاجرين اللبنايين الأوائل الذين قدموا حوالي سنة 1860 كانوا ينعتون بالسوريين، وذلك لأنهم هم نفسهم كانوا يقولون عن نفسهم بانهم سوريين، وليس لأنهم كانوا من سكان ما يسمى اليوم بالجمهورية العربية السورية (تلك الجمهورية لم تكن موجودة بعد في ذاك الوقت) ولكن لأن مسيحيي ما يسمى اليوم لبنان، سورية، الأردن، فلسطين واسرائيل كانوا ينعتون انفسهم بانهم سوريين نسبة الى اسم الكنائس التي كانوا يتبعونها؛ سوريين لأن طقوسهم الدينية وقداديسهم كانت تقام باللغة السريانية، وهي لهجة من لهجات الارامية وقد لازمتهم هذه الصفة حتى بزوغ فجر الحركة القومية العربية بين سنوات 1930 و1940 وهذا سبب تغيير صفة النعت الى عرب ... وهكذا اصبحت صفة العرب سائدة وشعبية اكثر في أيامنا هذه.

07:30

كتابي يحاول البحث في تاريخ مصطلح كلمة "عربي"، وما نعني بكلمة عرب عندما ننعت شخص بعربي. ويعالج قضية اللغة العربية والتداخل العضوي بينها وبين الاصول العربية او الهوية الثقافية العربية اذا اردتم، وكيف اصبح لهذه اللغة هالة مقدسة واصبحت النقطة المحورية في هذه الهوية العربية.

08:03

أما تاريخ معارضة الحركة القومية العربية، او ما تسمى الهوية العربية. فلهذا الموضوع تاريخ طويل في الشرق الاوسط .

في الواقع، وقبيل فرض الحركة القومية العربية على المنطقة ما بين سنوات 1920 و1930، كان هناك حركة ابتدأت حوالي العام 1860 وظلت نشطة حتى نهاية القرن التاسع عشر، في وقت كان فيه مختلف رعايا السلطنة العثمانية - وهنا يجب ان نبقي نصب اعيننا بأن الدول التي تطلق عليها اليوم اسم بلدان العالم العربي كانت حتى سنة 1918 مجرد ولايات في السلطنة العثمانية. والسلطنة العثمانية وحسب تصنيفها لنفسها، وبشكل عام سلطنة ذات لغات، واصول عرقية، وديانات متنوعة ومتعددة، وكانت عموماً متسامحة جداً تجاه هذه التعددية. وبالرغم من أن جميع الرعايا داخل السلطنة كانوا رعايا عثمانيون فأن السلطنة نفسها كانت تعترف بتنوع واختلاف حضارات الشعوب التي كانت تعيش تحت سلطانها. ولكن حوالي نهاية القرن التاسع عشر ظهر توجه داخل الحكومة العثمانية وبين النخب في المجتمع التركي يدعو الى تتريك مختلف رعايا السلطنة العثمانية. وكانت الفكرة هي في جعل القومية داخل السلطنة هي القومية التركية وبالتالي جعل اللغة التركية هي اللغة القومية لكل رعايا السلطنة.

اللغة التركية ولمدة 400 سنة وقبيل هذا التوجه كانت لغة الادارة والمعاملات داخل السلطنة ولذلك قلت في البداية بأن جدودي كانوا يتكلمون التركية ضمن لغات اخرى يتقنونها وذالك لأن السلطنة كانت سلطنة فيها تنوع عرقي ولغوي.

كانت هناك ردة فعل من قبل بعض الاشخاص، والمجموعات والمثقفين داخل السلطنة – ردة فعل ضد تتريك المجتمعات التي كانت تعيش ضمن السلطنة – وكانت ردة الفعل هذه هي حركة التعريب. كانت تتألف هذه الحركة من بعض النخب عموماً في بيروت ولكن ايضاً في الاسكندرية والقاهرة بين الذين كانوا يسمون في ذالك الوقت في مصر بالمهاجرين السوريين - اللبنانيين. وهكذا بدأت حركة صحوة لغوية عربية. كانت تسمى بحركة النهضة. "حركة النهضة العربية". كان على رأس هذه الحركة اناس يرفضون ان ينظر اليهم على انهم اتراك.

ارادوا التعلق بقومية اخرى تميزهم عن غيرهم. فقد كانوا راضين كونهم رعايا عثمانيين. ولكن الان ومع تحول العثمانية الى تتريك اصبحوا معادين لفكرة القومية التركية. ولذلك اصبحوا يبحثون عن قوميات اخرى يتكنون بها.

11:41

من بين هذه القوميات التي ظهرت في تلك الآونة القومية الفرعونية في مصر؛ وهي فكرة ان الشعب المصري يرجع باصوله التاريخية القديمة الى الفراعنة.

وكان هناك حركة مماثلة في منطقة سورية ولبنان وهي القومية السورية وهي الفكرة ان شعوب هذه المنطقة هم شعب سوري قديم وليس تركي او عثماني. وفي لبنان خاصة ظهرت فكرة القومية الفينيقية؛ وهي الفكرة ان الشعب اللبناني متحدر من الشعب الكنعاني الفينيقي .

وكان معظم المثقفين الذين ينادون بهذه القوميات يكتبون عنها ليس باللغة التركية بل ولأول مرة في تاريخهم كرعايا عثمانيين بدأوا بالكتابة باللغة العربية. وهذا ادى الى إحياء وتحديث اللغة العربية. هذه اللغة التي ظلت غائبة لمدة 400 سنة اصبحت فجأة اللغة المتبعة في نشر الجرائد والكتب والمجلات واعطاء الرأي. كانت ما تزال لغة بدائية لأنها لم تكن قد استعملت على هذا النطاق الواسع لمدة 400 سنة. ولكن كانت وبسرعة فائقة يضخ في شرايينها دم جديد، مصطلحات جديدة، افكار جديدة، كلمات جديدة وقواميس جديدة الخ. وهكذا كيف ان اللغة التي نعرفها اليوم باسم اللغة ”العربيه الموحدة الحديثة/الفصحى” استطاعت ان تعود الى الحياة.

الجزء الثاني

كان معظم اولئك الذين يكتبون بالعربية عن الاصول الفينيقية والكنعانية والسورية والفرعونية - وليس بالصدفة - عموماً من الرعايا المسيحيين في السلطنة العثمانية. كان هناك بعض اليهود ولكن الاكثرية الساحقة كانت من المسيحيين .

14:10

كان هناك اسباب كثيرة لذلك ولكن احد الاسباب الرئيسية كان ان الرعايا المسلمين في السلطنة لم يكونوا يرغبون في ايجاد تاريخ جديد او التنقيب عن تاريخ موغل في القدم، لأنهم كانوا اعضاء كاملين في السلطنة العثمانية ولم يكونوا في حاجة لقومية جديدة، لأنهم وهم المسلمون كانوا يعيشون في كنف السلطنة التي كانت سلطنة سنية مسلمة، فلم يشعروا بحاجة الى هذه القومية. ولكن الرعايا المسيحيين شعروا بالخطر الداهم من جراء فكرة التتريك. فراحوا ينادون بقومية جديدة قوامها وحدة اللغة والتي لم تعد اللغة التركية ولكن بالاحرى اللغة "العربية الموحدة الحديثة/الفصحى".

ان حركة النهضة والتي انطلقت ما بين العامين 1880 و 1890 كحركة ثقافية فقط تطعمت ما بين العامين 1920 و1930 بالافكار السياسية للحركة القومية العربية وأصبحت المحرك الأول لهذه القومية، واعيد تسميتها فيما بعد بالنهضة العربية.

وهكذا حصل ان حركة النهضة الادبية واللغوية اعيد تسميتها فيما بعد، بعد تسميتها ولأسباب سياسية وبطريقة مضللة، "حركة النهضة القومية العربية". فحركة النهضة وحركة النهضة القومية العربية هما حركتين متناقضتين. فحركة النهضة سبقت حركة القومية العربية، وكانت حركة النهضة تستعمل اللغة العربية كوسيلة ثقافية وادبية للتعبير عن اهداف وقوميات ليست بعربية وليست بتركية، ولكن عن قوميات قديمة اقدم بكثير في المنطقة من العرب والاتراك معاً .

ان هناك تاريخ طويل من الصراع بين العروبة وباقي القوميات في المنطقة. وربما لا يمكن استعمال كلمة صراع لأن فكرة الشعب الفينيقي والشعب الكنعاني والشعب السوري والشعب الفرعوني كانت سابقة لفكرة القومية العربية .

16:41

ان ما اعرضه في هذا الكتاب هو قراءة جديدة لتاريخ القوميات في الشرق الاوسط .

وهو لم يكتب لتحدي المفهوم السائد والذي يتجه الى النظرة الى منطقة الشرق الاوسط على انها منطقة مسكونة فقط بالعرب والناطقين باللغة العربية، ولكن لنزيد او لنعيد اكتشاف طبقة اخرى من القوميات التي ما تزال حية وفاعلة على كامل مساحة الشرق الاوسط. انها فكرة الحضارات والقوميات واللغات المتسلسلة ذات الطبقات المركبة والمتلاحقة والتي تعاقبت خلال تاريخ الشرق الاوسط والذي يرجع الى عدة الاف من السنين. ان النظرة السائدة اليوم عن المنطقة داخل العالم الاكاديمي هي نظرة الشرق الاوسط المتناغم الملئ بالعرب والمتكلمين باللغة العربية؛ وهذه نظرة خاطئة وهي قائمة على نظرية خاطئة اخرى هي أن جميع الشرق اوسطيين يستعملون اللغة العربية في حياتهم اليومية. ان هذه النظرية خاطئة لسببين:

أولاً، لأن هناك لغات كثيرة اخرى الى جانب اللغة العربية في الشرق الاوسط .

ثانياً، لأن اللغة العربية والتي حولها هالة مقدسة والتي هى رمز للهوية العربية ليست بلغة محكية. اللغة العربية الموحدة الحديثة هي لغة المتعلمين فقط وليست لغة يمكن تعلمها محلياً من قبل عامة الناس. الناس في لبنان وسورية وفلسطين والعراق الخ. نشأوا يتكلمون لغة مختلفة (حسب توصيف اللغوي من جامعة هارفرد ويلر ساكستون) عن اللغة العربية التي نسميها "اللغة العربية الموحدة الحديثة/الفصحى"، تماماً كما ان اللغة الانكليزية هي مختلفة عن اللغة اللاتينية. ان سكان الشرق الاوسط الذين نسميهم عرب بالحقيقة نشأوا يتكلمون مجموعة من اللغات نطلق عليها اسم لهجات محلية ولكنها بالفعل لغات تختلف عن اللغة العربية كاختلاف اللغة الانكليزية عن اللغة اللاتينية .

19:44

ان الانطباع الاول ان كل اولئك الشعوب في الشرق الاوسط يستعملون ويتكلمون اللغة العربية، وهذا انطباع خاطئ لأنه بالحقيقة هناك 33 لغة متنوعة ومختلفة نطلق عليها خطئاً اسم اللغة العربية وبالمقابل هناك لغة "عربية موحدة حديثة/فصحى" واحدة. البعض من هذه اللغات يمكن لمتكلميها فهم بعضهم البعض عند التكلم والبعض الأخر من هذه اللغات لا يمكن لمتكلميها فهم بعضهم البعض. لنأخذ وضع مماثل وجيد للمقارنة وهو العيش في اقليم البيرنييه الحدودي الذي يجاور فرنسا واسبانيا؛ القرى المتجاورة على طرفي الحدود وبالرغم من ان كل منها تتكلم لغتها المحلية الخاصة بها من الفرنسية او الاسبانية تستطيع فهم بعضها البعض لتجاورها. ولكن كلما توغلت اكثر في الداخل بعيداً عن الحدود تصبح امكانية التفاهم اصعب وحتى معدومة لأن السكان هناك يتكلمون اما اللغة الفرنسية التقليدية او الاسبانية التقليدية وليس اللغات الحدودية المحلية للبيرنييه. هذه هي الحالة بالظبط في اماكن كثيرة في الشرق الاوسط. لذلك فمن الطبيعي ان يستطيع السوريون واللبنانيون والفلسطينيون والعراقيون ولو بصعوبة التفاهم مستعملين لهجاتهم المحلية ولكن وكلما ابتعدت اكثر عن لبنان نحو افريقيا الشمالية ومنطقة الخليج، تصبح امكانية التفاهم اصعب وحتى معدومة. هذه هي المشكلة في تصور العالم العربي وكأن هذه المنطقة ذات وحدة لغوية موحدة. المشكلة الأخرى وخلافاً لما اعتدنا عليه هنا في الغرب من استعمال كلمات النسب للتعريف بجنسية او عرقية او لغة او قومية او اقليم معين. وبتعبير اخر ان الانسان الفرنسي يعيش في بلد اسمها فرنسا، فهو فرنسي ويتكلم اللغة الفرنسية ولذلك فنحن نستعمل نعت من ذات الاصل اللغوي (فرنسي) للتعريف بعرقه وجنسيته ولغته وقوميته. هذا التصنيف لا يمكن تطبيقه في الشرق الاوسط. الشرق الاوسط وخلال عدة آلاف من السنين تكلم لغات كثيرة مختلفة. وكما ذكرنا من قبل تعاقبت عليه حضارات وثقافات عديدة متراكمة اثرت فيه وحكمته. وكانت كل حضارة تسيطر عليه تفرض لغتها على انها اللغة السائدة والرسمية على كل سكانه. لنعطي مثلاً على ذلك، إذا رجعنا خمسة آلاف سنة في التاريخ نجد ان الحضارة السومرية هي التي كانت مسيطرة على الشرق الاوسط، السومريين هم اصلاً جاؤا من ما يعرف اليوم بالعراق وانتشروا في باقي المنطقة كلها. السومريين كانوا يتكلمون اللغة السومرية، والتي هي لغة غيرسامية وبالتالي فهي لغة غريبة في اصولها وجذورها ولا تمت بصلة الى باقي لغات الشرق الاوسط التي نستعملها اليوم .

23:15

اللغة السومرية أصبحت لغة الامبراطورية السومرية لمدة ألفي سنة، وهذا يعني أن السومريين الأصليين تكلموا اللغة السومرية، والغير سومريين تكلموا أيضا باللغة السومرية. يعني ان الناس وان لم يعتبروا انفسهم سومريين استمروا بالتكلم باللغة السومرية. هذه الثقافة، بلغتها وحضارتها عمرت لمدة طويلة؛ ومن ثم استبدلت اللغة السومرية باللغة البابلية؛ فالبابليون أيضا نشروا لغتهم التي اصبحت اللغة الوسيطة والسائدة في سائر أنحاء الشرق الاوسط، وتكلم بها البابليون والغير بابليون. ثم جاء دور الآراميين الذين نشروا بدورهم اللغة الآرامية. وبالتالي تحولت الآرامية لغة تكلمتها شعوب عديدة، ومن ضمنها الكنعانيين، وبالاخص الاسرائيليون، وبالاحرى اليهود العبرانيون الذين كانت لغتهم المحكية في البدايات عبرية، أي لغة ذات اصول كنعانية، وهذه اللغة استبدلت باللغة الآرامية. العبرانيون لم يفقدوا هويتهم العبرية، وبالتالي هويتهم الكنعانية، مع أنهم استعملوا بصورة عامة لغة غير لغتهم. وأنا أعطي في الصفوف التي اعلمها أمثلة مأخوذة من فيلم "ميل جيبسون" الشهير، "Passion of the Christ" فواحدة من اللحظات التاريخية الصحيحة بشكل رائع في هذا الفيلم هي طريقة استخدام اللغة. فها هو المسيح يتكلم بالآرامية؛ وهذا ما أعتقد قد أعطى لصناعة الفيلم نبضات أصيلة، وجعل الفيلم قطعة أصلية. فالمسيح تحدث بالآرامية، ومع والدته تكلم بالآرامية، وتكلم مع بعض تلامذته باللغة الآرامية أيضا؛ والمسيح ذاته كان يهوديا نموذجيا في ذلك العصر، وليس هذا فقط، بل كان نموذجا جيداً لمواطني شرق المتوسط، بمعنى أنه كان متعدد اللغات؛ فمع سجانيه تكلم اللغة اليونانية، لأن اليونانية كانت لغة العموم في ذلك الوقت (اللغة اليونانية أخذت محل اللغة الآرامية وأصبحت اللغة المعتمدة في الشرق الاوسط). يسوع أيضا استعمل اللغة اللاتينية مع اداريي الرومان والحاكم الروماني وممثلي القيصر الروماني في فلسطين، لانها كانت لغة الادارة الرومانية. أن يكون المسيح متعدد اللغات لم ينزع عنه انتماؤه اليهودي العبري الاسرائيلي.

26:01

فالذي أريد ان اقوله، لأن هذه المنطقة الجغرافية تقع على مفترق طرق بين ثلاث قارات، فشرق المتوسط، أو الشرق الاوسط والذي نطلق عليه اسم "المشرق"، مرت عليه قافلة من الفاتحين والحضارات. بعضهم استعمر المنطقة لمدة طويلة، أما البعض الآخر فلم يتركوا غير الأثر القليل أثناء عبورهم القصير. ولكن أثار حضارات الفاتحين، استمرت بفعل استمرار ذاكرة شعوب الشرق الاوسط الحديث، بحمل أثار الاحداث التي مرت، والتي نجدها في ارتباطات أو انتاجات اللغات الحالية بتأثيرات اللغات القديمة، والتي ذكرتها في البداية، من اللغة السومرية فالبابلية فالآرامية، ومن بعدها الفارسية واليونانية واللاتينية فالتركية والعربية، وبعدها ما بين أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حيث انتقلت اللغة الى رحاب اللغة الفرنسية والانكليزية. وهذا باختصار قصة كتابي.

الجزء الثالث

27:10

في تأثير اللغة ”العربيه الموحدة الحديثة/الفصحى” على المثقفين والثقافة في الشرق الاوسط الحديث:

لسوء الحظ صمدت اللغة ”العربيه الموحدة الحديثة/الفصحى” على يد مجموعة صغيرة من الناس. فحسب احصاءات الامم المتحدة UNRHD لعام 2000 في الشرق الاوسط، تتراوح نسبة الامية ما بين 50-55% داخل مجتمعات ما يعرف بالعرب، وهم لا يستطيعوا التكلم بهذه اللغة، ولا حتى القراءة والكتابة، ولا يستطيعون حتى التكلم باللغة ”العربيه الموحدة الحديثة/الفصحى”. وكما قلت لك في البداية، لان هذه اللغة تكتسب بالتمرينات عبر التعليم، ولانه لا يحصل الجميع على فرصة الذهاب الى المدرسة، وبالتالي لا يتعلم الجميع هذه اللغة. وحتى الذين يتعلموها ويكتسبوا اللغة ”العربيه الموحدة الحديثة/الفصحى”، يستعملونها فقط في حالات مركبة، وغير عفوية وبشكل غير ارتجالي. المثل التشبيهي الذي اريد ان اعطيه في تعليمنا لهذه اللغة، هو ان نعلم تلامذتنا في الجامعة هنا، ولأربع سنوات، اللغة اللاتينية، وبعدها نطلب منهم ان ينزلوا الى شارع ما في نابولي في ايطاليا، ونقول لهم، "حسنا اذهبوا الآن وتحادثوا مع المواطنين النابوليين". هذا الوضع مشابه بالظبط للوضع الذي نواجهه في الشرق الاوسط الحديث عندما نعلم اللغة ”العربيه الموحدة الحديثة/الفصحى”. السبب، ان تعليمنا للغة ”العربيه الموحدة الحديثة/الفصحى” يعود لان هذه اللغة في الشرق الاوسط اصبحت اللغة القاعدة، ويتم التدوين بها، وتصدر الكتب بها، ويتم بالتالي الكتابة بها.

حاليا يوجد كمية كبيرة من الادب المكتوب باللهجات المحلية ولكن هذه اللهجات لم توضع لها القواعد اللغوية والادبية بعد، ولذلك فأن الكثيرين من الذين ينتجون ادب بهذه اللهجات ما يزالون يستعملون الاحرف العربية. وهناك ايضاً الذين يكتبون باليهودية-العربية يستعملون الاحرف العبرية؛ في لبنان ولانتاج الادب باللهجة المحلية يستعمل المسيحيون الاحرف السريانية، بحكم ان السريانية هي لغة كنائسهم، وهم يعرفون كيفية الكتابة بها، خاصة عندما يريدون ان يحولوا اللهجات الغير سريانية الى لغة مكتوبة.

اللغة العربية بحد ذاتها غير قادرة بحد ذاتها على تغطية الكثير من الاصوات اللفظية للهجات المحلية ، ولذلك فأن الاحرف السريانية تستعمل لسد هذه الثغرة في اللغة العربية. ولكن وحتى الآن لم تستطع محاولات تدوين وانتاج قواعد اللغات العامية الحصول على الاعتراف أو الشرعية. وهذا يعود الى "الحظوة" التي تتمتع بها اللغة ”العربيه الموحدة الحديثة/الفصحى”، لأن هذه اللغة لها علاقة رمزية تكافلية مع دين عالمي وهو الاسلام. لذلك يوجد منحى باعتبار ان تدوين وانتاج قواعد اللهجات المحلية يحط من قيمة وقدر اللغة ”العربيه الموحدة الحديثة/الفصحى”. لهذا يتجنب مثقفون عديدون في الشرق الاوسط، ومنهم كتاب مهمون، الكتابة او نشر كتاباتهم بلهجاتهم، بسبب خوفهم من التعرض لمكانة اللغة ”العربيه الموحدة الحديثة/الفصحى”.

31:22

وهذا ليس شيئا جديدا، فألاوروبيون في العصور الوسطى واجهوا هذا الامر. فالاتينية في الكنيسة كانت اللغة ذات المكانة، وكانت فقط اللغة التي يُستحق الكتابة بها. وانطبق هذا على "لهجة اللاتينية الفرنسية"، او "لهجة اللاتينية الايطالية" و "لهجة اللاتينية الاسبانية" الخ... طبعا أنا ابسط الامور هنا، فهذه اللغات لم يكن اسمها هكذا. ولكن الناس الذين تكلموا بلهجات لاتيتية متعددة في العصور الوسطى لم يجرؤا على كتابتها بغير اللاتينية، لان اللاتينية كانت اللغة الوحيدة التي اعتبرت جديرة بالكتابة بها. وبنهاية المطاف انكسر احتكار اللاتينية، والذين حرضوا على هذه "الثورة" كانوا هم انفسهم الناس أو الكتاب الذين تعرف شهرتهم في الوقت الحاضر، وهم انفسهم الذين دخلوا تاريخ الكتابة، والذين حازوا على محبة الاكاديميين: "دانتي" في ايطاليا، "سيرفانتيس" في اسبانيا، "رونسارد و يواكيم دو بيللاي" في فرنسا، الخ... هؤلاء الادباء حوربوا بلا هوادة من قبل رفاقهم واصدقائهم في الاكاديميات الادبية، ومن قبل حراس اللغة اللاتينية وشريعتها القدماء.

وساعطيك مثلا الآن عن قوة اللاتينية التقليدية في ذلك الوقت، وربطها نفسيا الناس والمثقفون بفكرة انه غير مسموح تلويث اللغة اللاتينية المقدسة عبر الكتابة بلغة مدنسة، أي لهجات لاتينية. فعندما كتب "دانتي" ملحمته "لا كوميديا" وتعرف اليوم باسم "الكوميديا الالهية"، لم يسمها وقتها الكوميديا الالهية. وأخذت هذا الاسم بعد وفاته بسبب حيثيات الموضوع. ولكن بعضهم يعيد امر تغيير الاسم لاحقا الى "الكوميديا الالهية" بسبب لغتها المقدسة، وبسبب اللغة الانيقة (اللهجة يعني) التي كتب بها دانتي "لا كوميديا". ويجب ان نتذكر ان دانتي هو تلميذ فيرجيل وكان "أمير اللاتينية" الذي كتب اللاتينية بروعة وقتا طويلا قبل كتابته "الكوميديا الالهية". اذاً حورب دانتي بشدة من قبل رفاقه في الاكاديمية الفلورنسية. لا أعرف بدقة ماذا قالوا له، ولكن قد يكونوا هاجموه بعبارات مثل، "كيف تجرؤ على الكتابة بهذه اللهجة ذات المستوى المتدني، لغة العوام، لغة الخدم والرعاع؟؟". وأظن ان جواب دانتي سيكون، "انظروا، ان اللغة التي تستعملوها لمهاجمتي، والتي تصفوها بلغة العوام والخدم والرعاع، هي نفسها اللغة التي تستعملوها لمهاجمتي. انتم لا تهاجموني بلاتينية سامية، بل بلغة توسكانا، لغة العوام والخدم، بل لغة والدتي ووالداتكم، وبلغة أمير توسكانا... لذلك فهي لغة الامراء وليست لغة متدنية...".

34:26

وذات الامر حدث مع الفرنسيين والكاستليين والاسبان. لذلك احتاج الامر دائما لكتابات اشخاص شجعان وقفوا بوجه التقليديين من اجل رفع شأن اللهجة من مستوى لهجة "متدنية" الى مستوى عالمي في عالم اللغات بواسطة كتابات وصلت الى العالمية. وأظن هذا ما يتطلبه الامر في الشرق الاوسط اليوم.

حصلت محاولات خلال العشرينات حتى الاربعينات من القرن الماضي، مثقفون عاليي المستوى في مصر وحتى سوريا ولبنان نشروا كتابات بلهجاتهم المحلية وحاولوا تثبيت القواعد اللغوية لهذه اللهجات المحلية. ولكنهم حوربوا، واتهموا بتخريب اللغة العربية وبالغموض ومحاولات غريبة للاستقلالية. كثير من هؤلاء الكتاب انمحوا بالكامل من قائمة الكتاب في الشرق الاوسط الحديث او اجبروا على ممارسة الصمت الذاتي. مثلا الكاتب المصري "سلامة موسى" والذي حاول في العشرينات الدفاع عن الكتابة باللهجة المصرية المحكية، اختفى بالكامل من تاريخ الادب في المنطقة. أحد معلمي سلامة، طه حسين، ابدل كتاباته من اللهجة المصرية الى اللغة العربية في الخمسينات، بالرغم من دفاعه المستميت عن اللهجة المصرية. وكما حصل سابقا مع آخرين، حورب بسبب ذلك، واتهم بخيانة الاسلام والعروبة. وبنتيجة ابداله اللهجة المصرية باللغة العربية، يعتبر طه حسين اليوم في حلقات عديدة "عميد اللغة العربية الحديثة/الفصحى". استعاد طه حسين وضعه المرموق بسبب اهتدائه بلا لبس لنصرة اللغة العربية.

ولكن يوجد اليوم مثقفون عديدون، خاصة في لبنان، لا يزالون يحاولون. لبنان كان ولا يزال مختبر الشرق الاوسط بحيث ان الافكار الجديدة تجد مكانا رائدا للاختبار، لان لبنان كان دائما بارومتراً مؤشراً للتغييرات التي تلوح في الافق. يوجد الآن اشخاص اليوم في لبنان، لا يفكرون بتدوين لغتهم المحكية فحسب، بل انهم فعلا قد نشروا أعمالا أدبية محترمة بلغتهم اللبنانية المحكية معارضة للغة العربية التقليدية.

الجزء الرابع

37:33

هل قضية لبنان تعد مؤشرا لتغييرات ايجابية تمتد للشرق الاوسط؟ كما قلت سابقا فلبنان مكانا اختبرت فيه الافكار الجديدة في السابق. يؤمل دائما بان الافكار التي اختبرت في لبنان ستمتد ايضا الى الجوار. استطيع من قراءتي في الادب، زياراتي لمواقع على الانترنت، مشاهداتي الاعلامية ومراقبتي لما يقوم به الشباب بلغاتهم المحكية، القول بانه يوجد تغييرات بارزة على امتداد المنطقة. لا اعرف اذا كان هذا يعزى مباشرة الى لبنان، ولكن قد يعود هذا الى العولمة في جزء منه والى دمقرطة الانترنت والكومبيوترات في جزء آخر. وقد يعود هذا الى محدودية اللغة العربية من اجل كتابة اللغات المحلية.

بكلمات أخرى، لا يستعمل الشباب في اتصالاتهم على الانترنت ماكينة طبع عربية، وعندما يكتبون على برامج الماسنجر والمحادثة النصية، يستعملون بعفوية لغتهم المحلية. وهم لا يستعملون بتاتا اللغة العربية الرسمية الحديثة/الفصحى. بل انهم يستعملون الاحرف الرومانية (اللاتينية) ليكتبوا نصوصهم والتحادث عبر الانترنت. فالاحرف الرومانية (اللاتينية) مؤهلة اكتر للتعبير عن طيف من الاصوات في اللغات المحكية من اللغة العربية المثقلة والغير دقيقة.

وسأعطيك مثلا، ففي اللغة العربية يوجد ثلاث أحرف علة: "Aa" و "Uu" و "Eee". لذلك يوجد فقط ثلاث رموز لتمثل هؤلاء الاصوات. بحكم وجود لغات محلية مختلفة، يستخدمها الفلسطينيون واللبنانيون والسوريون والاردنيون والعراقيون الخ... يوجد ستة أحرف علة على الاقل. فكيف اذا تستطيع ان ترمز بدقة لستة أحرف علة، في حين ان اللغة العربية تحتوي فقط على ثلاث رموز لتمثيل احرف علة؟ ولهذا استطاعت الاحرف الرومانية ان تحصل على شعبية اكثر، لانها تستطيع ان ترمز اكثر لاحرف العلة. اللغة اللبنانية عندها ثمانية احرف علة، لذلك الناس اصبحت عمليا على بينة من وظائف الاحرف الرومانية. وهذا ليس متعلق بلبنان، من ناحية ان لبنان يستعمل هذه الاحرف والجميع يريد تقليد لبنان، ولان لبنان يتمتع بالحريات نظرا لانه منفتح على البحر المتوسط والخ... كلا ليس هكذا الامر! فسيادة الحرف الروماني تعود اليوم الى وظيفته العملية. ولهذا انتشاره المستمر.

أحيانا أضع أمامي نصا باللاتينية، نصا مقروءا، استطيع قراءته ولكن لا استطيع فهمه. وهذا يعود الى ان كتابته بلهجة غير مألوفة. تصور أن يقوم انكلوساكسوني بقراءة نص فرنسي، احرف الابجدية هي نفسها، ولكن اللغتان مختلفان.

40:56

وهذا يسبب مقدارا وافيا من الاكتشافات الجديدة كالفردية، وكالذاكرة والهوية في جميع انحاء الشرق الاوسط. اكتشافات لهويات وحضارات سابقة ومتقدمة على الحضارة العربية

كانت موجودة في المنطقة من قبل هيمنة العرب واللغة العربية. أن تآلف المرء بكتابة لغته المحلية بواسطة أحرف لغة مختلفة عن الأحرف العربية المهيمنة والمستعمرة، يجعل شباب الشرق الاوسط يتآلفون مع الفكرة التي تقول ان اصوات لغتهم المحكية وترميزها بدقة بأحرف اخرى غير الاحرف العربية، قد تقود الى ان هذه الاصوات ستعني حكما شيئا آخر مختلفا عن معانيها المصنفة أصلا بالعربية. […] وساعطيك مثلا صغيرا عن ذلك من الاراضي الفلسطينية. لقد بدأت حديثي سابقا عن توالي تأثيرات الحضارات التي قدمت الى الشرق الاوسط، وعن ان 95% من اسماء الاماكن في سوريا ولبنان تعكس هذا المزيج من التاريخ، وعن ان 95% من هذه الأسماء هي بالارامية وليس العربية.

تحسبهم اسماء عربية لاننا كعادة سيئة كتبنا الاسماء باحرف عربية، ولكن في اللحظة التي نكتبهم باحرف أرامية او سريانية وحتى بالعبرية، نبدأ بتلفظهم بطريقة تعود الى التسمية الاصلية. ونحن نعرف ان التسميات بالارامية والكنعانية لها قرابة مشتركة، ولكن ليس مع اللغة العربية.

فكل اللغات السامية تحتوي على غنى من الكلمات والجمل المشتركة، ولكن ما ان تبدأ بتعريبها على حدى، تدرك ان هذه القرابة هي ظاهرية وليست حقيقية.

خذ مثلا عاصمة لبنان "Beirut". "بيروت" مكتوبة بالحرف العربي، ولا يوجد لها اي معنى بالعربي. وكما قلت فان 95% من اسماء البلدات والقرى في لبنان هي باللغة الآرامية. وبيروت هي مثل واحد وبدون اي معنى باللغة العربية. ولكن اذا حولت اسم مدينة بيروت للسريانية او الارامية او الرومانية، بدون الاتكال على محدودية وعدم دقة اللغة العربية، ستجد ان كلمة "Beirut" قد تحولت الى "Beerot". أن عدم وجود "O" في اللغة العربية وبالتالي لا يوجد رمز له، لذلك استعمل الرمز "U". لذلك عندما تحول "Beirut" الى "Beerot"، تعيد التسمية الى الجذور الكنعانية، وبالتالي ستفهم ان معنى اسم هذه المدينة هو "الينابيع". فكلمة "Beer" في اللغة الكنعانية واللغة اللبنانية تعني "بئر مياه"، وكلمة "Beerot" تعني جمع بئر.

44:06

أتمنى في هذا الكتاب ان ادير دفة المناقشات المتعلقة بالشرق الاوسط وهوياته من النماذج المألوفة التي تعودنا عليها وصنعناها بانفسنا، من أن المنطقة تحتوي على وحدة متراصة من الناس، يتكلمون لغة واحدة رسمية تعكس تقاليد وحضارة واحدة وذات تاريخ واحد مشترك.

في هذا الكتاب احاول ان ارى الصورة الكبيرة الواسعة عن هذه المنطقة من العالم، من اجل الدفع نحو التطلع الى السياق العريض في الشرق الاوسط، بحيث نبدأ بملاحظة التنوع الموجود، وعدم الانغلاق داخل الموروثات التي تعلمناها. وهذا يعني ان هذه المنطقة في الواقع ليست وحدة حضارية متراصة من الشعوب.

ان بدأنا بفهم تنوع المنطقة، نستطيع ان نفهم بوضوح أكثر جذور مشاكلها.

لقد كنت محظوظا لحد الآن من ردات الفعل الايجابية على كتابي، وهذا مشجعا للغاية. ولكني أعرف انه ليس بالشيء اليسير والهين ان تسير ضد التيار العقائدي التقليدي، وشهر العسل الذي فيه الآن، قد يكون قصيرا. أنا متأكد، وأرحب بالامر جدا، لأن هدفي أن ابادر لخلق نقاش حيوي... ولكني متأكد أيضا ان حافظي شريعة الانتماء العربي، وحتى في حلقات معينة داخل الدراسات الشرق الاوسطية، سيعترضون على اطروحة الكتاب، ولاسباب معروفة، لان الكتاب يتحدى المفاهيم التقليدية المحافظة حول الشرق الاوسط، وحول وحدة العرب واللغة العربية.

الصفحة الرئيسيّة

DISCLAIMER: Opinions expressed in this site do not necessarily represent Phoenicia.org nor do they necessarily reflect those of the various authors, editors, and owner of this site. Consequently, parties mentioned or implied cannot be held liable or responsible for such opinions.

 

Additional references, sources and bibliography (Please don't write and ask me for references. You can find them at the end of article or in Bibliography)
Home

Phoenicia, A Bequest Unearthed -- Phoenician Encyclopedia

© Copyright, All rights reserved by holders of original referenced materials and compiler on all pages linked to this site of: https://phoenicia.org © Phoenician Canaanite Encyclopedia -- © Phoenician Encyclopedia -- © Punic Encyclopedia -- © Canaanite Encyclopedia -- © Encyclopedia Phoeniciana, Encyclopedia Punica, Encyclopedia Canaanitica.  

The material in this website was researched, compiled, & designed by Salim George Khalaf as owner, author & editor.
Declared and implied copyright laws must be observed at all time for all text or graphics in compliance with international and domestic legislation.


Contact: Salim George Khalaf, Byzantine Phoenician Descendent
Salim is from Shalim, Phoenician god of dusk, whose place was Urushalim/Jerusalem
"A Bequest Unearthed, Phoenicia" — Encyclopedia Phoeniciana

This site has been online for more than 21 years.
We have more than 420,000 words.
The equivalent of this website is about 2,000 printed pages.

Trade Mark